يكتب أحمد الأسمر أن إسرائيل، الدولة التي تأسست على التمييز العنصري ونزع إنسانية الفلسطينيين، كشفت مجددًا عن وجهها الحقيقي في جريمة الاغتصاب الجماعي التي ارتكبها جنودها بحق معتقل فلسطيني داخل سجن "سدي تيمان" العسكري سيئ السمعة. ومع ذلك، لم يكن الاعتداء المروّع هو ما صدم الحكومة الإسرائيلية، بل تسريب الفيديو الذي وثّق الجريمة إلى وسائل الإعلام، ما عرّى النظام أمام العالم.

 

يوضح تقرير ميدل إيست مونيتور أن الجدل في إسرائيل انصبّ على تحديد من سرّب التسجيل، لا على محاسبة الجنود الجناة. الحكومة والجيش وجّها أصابع الاتهام إلى الجنرال ييفات تومر يروشالمي، المدعية العسكرية العامة، واتهموها بالتورط في التسريب، ما دفعها إلى الاستقالة تحت ضغط سياسي وإعلامي كثيف. وصرّح بنيامين نتنياهو بأن التسريب ألحق "أفدح ضرر بصورة إسرائيل" ووصفه بأنه 'أعنف هجوم دعائي"  تتعرض له دولته.

 

يعكس هذا المشهد أن غضب المؤسسة الإسرائيلية انصبّ على انكشاف الجريمة لا وقوعها، إذ لم يُفتح أي تحقيق حقيقي لمحاسبة الجنود، ولم تُظهر السلطات نية جادّة لوقف الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين. الهدف الوحيد كان معرفة كيف تسرب الفيديو الذي فضح آلة القمع.

 

الفيديو المسرّب يعود إلى أغسطس 2024، أثناء الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، ويُظهر جنودًا يقتادون أسيرًا فلسطينيًا معصوب العينين قبل أن يحيطوا به بدروع مكافحة الشغب ليخفوا فعلتهم. أحدثت اللقطات صدمة دولية وسلّطت الضوء على معاناة المعتقلين الفلسطينيين، خصوصًا من نُقلوا من غزة. منذ أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 80 معتقلًا فلسطينيًا داخل السجون الإسرائيلية نتيجة التعذيب والإهمال الطبي وسوء المعاملة.

 

بعد انتشار الفيديو، أعلنت إسرائيل فتح تحقيق واحتجاز الجنود المتورطين، لكن هذه الخطوة كانت مجرد مسرحية سياسية لامتصاص الغضب الدولي، كما يشير الكاتب، فالسجل الإسرائيلي مليء بالجرائم التي لم يُحاسَب أحد عليها. في واقع الأمر، تمثل هذه الانتهاكات سياسة منهجية تدعمها القيادة العليا وتشجّعها بشكل غير مباشر.

 

يصف الكاتب منظومة القضاء الإسرائيلي بأنها واجهة خادعة لتجميل الاحتلال. فالقوانين و"التحقيقات" لا تُستخدم لإقامة العدل، بل لحماية الجنود والمستوطنين وضمان إفلاتهم من العقاب. ويستشهد بحالات سابقة أبرزها اغتيال الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة في مايو 2022 أثناء تغطيتها اقتحام مخيم جنين. التحقيق الإسرائيلي الداخلي ادّعى أن مقتلها “عرضي”، متجاهلًا الأدلة الصحفية التي أثبتت استهدافها عمدًا رغم ارتدائها سترة الصحافة بوضوح.

 

ويشير المقال إلى قضية أخرى هي مقتل الناشطة التركية الأمريكية أيشنور إزجي إيجي في سبتمبر 2024 أثناء احتجاج سلمي ضد المستوطنات قرب نابلس. الجيش الإسرائيلي أقرّ بأن الرصاصة التي أصابتها “على الأرجح إسرائيلية”، لكنه وصف الحادث بأنه “غير مباشر وغير مقصود”، وانتهى الأمر من دون أي محاسبة.

 

يؤكد الكاتب أن هذه القضايا وغيرها تكشف أن إسرائيل تستخدم القضاء كأداة سياسية لتضليل الرأي العام العالمي وإيهام الناس بأن هناك عدالة، بينما تُمارس جرائمها الممنهجة ضد الفلسطينيين والنشطاء والصحفيين. وتكشف جريمة “سدي تيمان” تحديدًا حجم الإفلاس الأخلاقي للنظام الإسرائيلي، إذ تحوّل تركيزه من معاقبة الجناة إلى الحفاظ على صورته الدولية.

 

ويرى المقال أن هذه الفضيحة أعادت إلى الواجهة السؤال الأخلاقي الجوهري: هل تخاف إسرائيل من ارتكاب الجرائم أم من كشفها؟ فالحكومة تعاملت مع التسريب كتهديد استراتيجي، باعتبار أن “الخطر الحقيقي” هو أن يرى العالم ما يجري خلف الجدران. أما الضحية الفلسطيني، فلا موقع له في سردية العدالة الإسرائيلية.

 

يضيف الكاتب أن هذه الحوادث ليست معزولة، بل جزء من منظومة أوسع من القمع الدولي المسكوت عنه. فالدول الغربية تواصل حماية إسرائيل دبلوماسيًا ومنع أي مساءلة حقيقية. استخدمت الولايات المتحدة، مثلًا، حق النقض ثلاث مرات في مجلس الأمن منذ أكتوبر 2023 لعرقلة قرارات تدين العدوان على غزة. بهذه الحماية، تُرسل واشنطن وحلفاؤها رسالة واضحة: جرائم إسرائيل بلا ثمن.

 

يختتم أحمد الأسمر مقاله بأن الغضب الإسرائيلي من تسريب الفيديو يعكس خوف النظام من الحقيقة لا من العدالة. النظام الذي يجرّم من يفضح الجريمة ويُبرّئ من ارتكبها، يفضح نفسه أكثر مما يدافع عنها. في هذا العالم المقلوب، يصبح المُسرِّب هو المجرم، والمغتصب جنديًا "يحمي الدولة". أما العدالة، فهي آخر ما يشغل بال الاحتلال.

 

https://www.middleeastmonitor.com/20251103-what-shocks-israel-the-gang-rape-crime-itself-or-that-the-world-saw-it/